الجمعة، 26 أبريل 2013

الفيتامينات العشرة لكاثرين توبين ... في السنة النبوية


الفيتامينات المعنويةلكاثرين توبين
من منظور إسلامي


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
              الحمد لله الذي أتم لنا الدين وشرفنا بأفصح الكتب وشرع لنا أفضل الشرائع وأرسل إلينا خير البشر , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وصفوة الأولياء وعلى آله وصحبه أجمعين , اللهم لا علم لنا إلى ما علمتنا , أما بعد , فإن من المفاهيم الحديثة للتربية هي  "أن تمنح الأطفال الأدوات التي تمكنهم من النجاح في حياتهم " ([1]) , ونحن إذ نعيش في عصر المدنية المعولمة الجافة , وفي ظل ما نجده من اهتمامات بموضوع التربية فلا بد لنا إذا تحدثنا عن التربية أن نربطها بمنهجنا الإسلامي القويم , احتسابا في الأجر وإتباعا لسنة خير البشر قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)(الأحزاب - 18) , ونشرا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم , ودعوة إلى الإسلام .
             وهذا لا يمنع أن يقوم التربوي , أو المربي والقائمون على أمور التربية في البيوت كالوالدين وفي المدارس كالمعلمين والمعلمات وغيرهم , بالإطلاع على المصادر الحديثة في مجال تخصصهم واهتماماتهم من مؤلفات غير المسلمين خاصة وأنها قامت على التجربة والملاحظة  ولكن عليه أن يأخذ منها بغيته ويترك ما خالف الشرع والفطرة الإنسانية فإن فيها الغث والسمين , و لربما كان له في إطلاعه هذا ما يعينه على استنباط الأسلوب والمنهج التربوي في القرآن والسنة , والذي حث الشارع عليه وأرشدنا إليه ولكن منعنا من فقهه وتطبيقه قصور أفهامنا وقلة برامجنا التطبيقية وتأملاتنا التربوية في القرآن والسنة وإلا  ففيهما من الخير ما يكفي لإقامة المعوج , وتنشئة الحدث بصورة متكاملة ليخرج لنا عضوا فعالا ناجحا مع نفسه وناجحا مع ربه وناجحا مع مجتمعه بجميع معايير النجاح قال عليه الصلاة والسلام في وصيته لأمته في حجة الوداع (يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ([2])  .
             ومن الكتب التي طبعت حديثا والتي كان لها صدى قويا في المجتمع التربوي كتاب (حلول عملية لمشكلات الآباء في تربية الأبناء) ([3]) , والذي استخدمت فيه المؤلفة أسلوبا جديدا في حل المشكلات عند الأبناء في تربيتهم للأبناء مثل الغضب والردود الوقحة والشجار والكذب وغيرها,  مستخدمة أسسا وقواعد تعين في إعادة النظر إلى المشكلة من خلال إعادة صياغتها لفهمها بصورة جديدة تعين على تقبلها وحلها بأحسن الأساليب  .
ومن ضمن المحتويات التي تطرقت إليها المؤلفة في كتابها السابق مبحث بعنوان (الفيتامينات المعنوية : أهم عشرة أشياء يحتاجها الأطفال)(ص135) , حيث قالت : " يسألني الآباء يوميا : هل يجب أن أعطي طفلي فيتامينات؟ فأجيبهم : نعم ولكن ليس من النوع الذي يعبأ في زجاجات , فكلما أحس الطفل بذاته بصورة أفضل كانت تطلعاته أكثر إيجابية,كما ستقل الطاقة المهدرة في محاربة وإثارة المشكلات "[4],وقد نظرت إليها فوجدت أنها لا تخرج عن المنهج التربوي للقرآن والسنة وعزمت أن أبلورها من منظور إسلامي .
  وستكون محتويات البحث على النحو التالي :
·        نبذة عن الكاتبة .
·        ماذا قالوا عن الكتاب .
·        الفيتامينات المعنوية من منظور إسلامي .
الخاتمة .
·        قائمة المراجع .    
  سائلا الله التوفيق والسداد والقبول .                                                         
نبذة مختصرة عن الكاتبة الدكتورة / كاثرين توبين :
                   الدكتورة كاثرين توبين : طبيبة بشرية , تعمل كطبيبة أطفال , وهي عضو الجمعية الكندية لأطباء الأطفال والكلية الملكية للأطفال والجراحين , ولديها خبرة عشرين عاما في المجال التربوي , و لديها مؤلفات في التربية وعيادة للأطفال وموقع على الشبكة العنكبوتية يحمل اسمها , تقول عن نفسها "وبعد أن نجحت في تقديم المساعدة لعشرات الآلاف من الأسر للتغلب على المشكلات ألفت كتابا خصيصا لمساعدتك " [5]  .

ماذا قالوا عن الكتاب :
           تقول الدكتورة كاثرين : وهدفي من هذا الكتاب هو أن أساعدك على التخلص من الأساليب غير الفعالة للتعامل مع المشكلات وتزويدك بالأدوات والفلسفات الضرورية للتفكير في طرق جديدة والتصرف على إثرها .
يقول (جون)و(لندا فريل) : علمتنا الدكتورة توبين كيف نفهم أنفسنا , وعندما تنتهي من قراءة الفصل الأول ستكتشف طريقة جديدة لكل المشكلات التربوية .
يقول (جاك كانفيلد) : تقدم لنا الدكتورة أسلوبا جديدا مبتكرا في حل المشكلات التي نواجهها مع أبنائنا ,
وإذا تعذر عليك استشارة الدكتورة شخصيا فاقرأ كتابها .
وأقول  إنه جهد بشري يعتريه من النقص ما يعتريه ولكن حقيقة لقد أعجبت بأسلوبه في عرض المشكلات والتي يسلط الضوء فيها على زوايا وأبعاد غابت عن أذهاننا عندما ننظر إلى المشكلة , وأتصور أن من مقومات نجاحه أنه أسلوب طبيبة و أم في نفس الوقت فقد جمعت بين العلم والتطبيق  في مضمار التربية والذي نجد له أصولا في تربيتنا الإسلامية نسلط الضوء عليها بإذن الله تعالى في المباحث القادمة .

الفيتامينات المعنوية من منظور إسلامي
               تقول : المكونات الرئيسية التالية يحتاجها طفلك يوميا .
1. الاحترام : ننتظر أن يحترمنا أطفالنا لأننا أكبر منهم سناً وأكثر حكمة , ولكن الأطفال أيضاً يحتاجون منا أن نحترمهم فعندما تعامل طفلك باحترام , سيشعر بقيمته وقدره , (ص135) .
وهذا الخلق العظيم يتمثل في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا »([6]) ,ومن تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجد ما كان يوليه صلى الله عليه وسلم من احترام للصغير , ذكرا أو أنثى , قريبا أم بعيدا .
ومنها ما رواه البخاري عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ أُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ « يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ » . قَالَ مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِى مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ,فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.([7])
ففي هذا الحديث إحترام الصغير الذي كان على يمينه واستئذانه للأشياخ وهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبار الصحابة في أن يشربوا قبله لجلوسهم عن شماله , ولكن العجيب عندما أعطي هذا الغلام احترامه وتقديره أجاب بعبارة بعيدة المدى  فقال:(مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِى مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ) أتعلم من هو هذا الغلام ؟ إنه حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما .
ومما ثبت أيضا ما روي عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ – (وَقَالَ الْحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلاَمًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَسَنُ السَّمْتَ وَالْهَدْىَ وَالدَّلَّ )- بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِى مَجْلِسِهِ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِى مَجْلِسِهَا.([8]) وهل كان هذا الاحترام من فاطمة رضي الله عنها وأرضاها مع أبيها إلا ثمرة من احترامه صلى الله عليه وسلم لها .
إذن القضية متبادلة فإذا أردنا أن يحترمنا أبنائنا فلنبادر باحترامهم  .

قالت: 2. التقبُّل : إن أعظم هدية يمكن أن تهديها لطفلك هي أن تتقبله لشخصه , حيث يصحب هذا التقبُّل كل من التفهم والمعرفة والمزيد من التوقع للحياة اليومية التي ستكون أكثر هدوءا  ( ص 135).
تقبُّل الشيء هو الرضى به قال الله عن مريم في دعاء أمّها (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ) (آل عمران), والطفل إذا ما وجد هذه السمة موجودة في والديه فسيكون لديه إحساس بقيمته الإنسانية , وتقدير لذاته وانسجام مع محيطه والذي سيجعله أكثر انتماء وحبا ووفاء له ولا شك أن هذه العوامل بالجملة لها دورها الكبير في إقصاء الصراع الداخلي و الاصطدامات الخارجية وتصحيح سلوكه وقبوله للنصيحة مما يجعل البيئة والأشخاص أكثر استقرارا , وتواصلاً مع بعضهم البعض , ومصارحتهم لما يجدونه من مشاكل وعوائق في معترك الحياة .
إن التقبل يوفر للشخص مكان يبث فيه أحزانه وهمومه بل وقد يوفر له المخرج منها بأسهل الوسائل .
إن التقبل يعطي فرصة للمربي بالتنبؤ والتوقع بما قد يحصل في المستقبل للطفل , بل سيساعده في اتخاذ أفضل الوسائل في علاج المشاكل المستقبلية وتفسير حدوثها واتخاذ الخطوات الوقائية لها .
قال ابن القيم رحمه الله : (وبهذا التقبل يقبل الإنسان الناقص الكامل ويقبل الكامل من البشر الملك)([9])
 وهذا واضح كثيرا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وليس مع الصغار فقط بل مع فقراء المسلمين ومواليهم ونسائه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن , وهو سمته صلى الله عليه وسلم في  تعامله مع المخطئ , وجفوة الجاهل وجرأته عليه  ,وغريب الديار الذي ترك أهله وذويه لنيل شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم والحقيقة لا يسع المقام لذكر جل هذا ولكن حسبي من القلادة ما أحاط بالعنق .
وللنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تقبله لعلي رضي الله عنه وهو ابن عمه وأول من آمن من الصبيان , فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي « أَنْتَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِىَّ بَعْدِى » ([10]), وقوله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر : « لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ - أَوْ قَالَ لَيَأْخُذَنَّ - غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ-أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ »قال الصحابة فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِىٍّ ([11]) وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِى الْبَيْتِ فَقَالَ « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ » . قَالَتْ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ شَىْءٌ ، فَغَاضَبَنِى فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِى . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِنْسَانٍ « انْظُرْ أَيْنَ هُوَ » . فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُوَ فِى الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُضْطَجِعٌ ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ « قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ »([12]).
وليس هذا مع علي رضي الله عنه بل مع مجتمعه كاملا ومحيطه الذي معه , فقد قال لسلمان في الخندق: سلمان منا آل البيت , وأسامة بن زيد رضي الله عنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب حبه مع ما وقع في نفوس الناس منه فهو غلام أسود نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أردفه في مواطن كثيرة منها يوم فتح مكة  أقبل إلى الكعبة مردفا أسامة خلفه وأردفه في حجة الوداع من عرفات إلى مزدلفه والأحاديث في إردافه له كثير وعندما طعن الناس في إمارته  قَالَ النَّبِىُّ- صلى الله عليه وسلم-« إِنْ تَطْعُنُوا فِى إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِى إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ ، وَايْمُ اللَّهِ،إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ،وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ،وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ بَعْدَهُ »([13]) .
وهي سمة واضحة فيه صلى الله عليه وسلم مع الخلق كافة البر والفاجر , ونجد أنه صلى الله عليه وسلم ساكن المنافقين بالمدينة واستغفر لهم مع معرفته بباطن كفرهم إلى أن نهاه الله وهو نوع من التقبل, وفي صلح الحديبية كان واضح تقبله صلى الله عليه وسلم للصلح مع شدة العداء فما كان إلا أن بشّره الله بالفتح .
ولما كان الذِّكر محبب إلى النفس في الأولاد من الإناث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر بالتقبل فقال : « مَنِ ابْتُلِىَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ »([14]) ففيه حث على تقبل الذرية والبنات خاصة بل رتب على ذلك من الأجر العظيم فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ». وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.([15])
والأحاديث في هذا الجانب لا يمكن حصرها أو جمعها ولكنها بمثابة الإشارة .

قالت : 3 . التحمُّل : كلما ارتفع مستوى تحملك , قلت الطاقة التي تبذلها في النزاع , وتوفر لديك المزيد من الوقت الذي تستمتع فيه بحياتك الأسرية  ( ص135).
قال الله تعالى : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران-134)
قال ابن القيم رحمه الله : (ولا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه ولا سيما لشربه اللبن إذا جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره ) ([16])
قالت أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ : أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حِجْرِهِ ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ ) ([17]) .
فانظر يا راعاك الله إلى حلم النبي صلى الله عليه وسلم وتحمله , فلم يضجر ولم يصخب بل كان برا رحيما , وقد كان يأتيه الرجل الأعرابي ويجذبه ويغلظ القول فلا يضجر , يتبول الأعرابي في مسجده فلا يضجر , يراجعه نسائه الحديث وتغلق إحداهن عليه الباب فلا يضجر, بل غير المجتمع الجاهلي وأخرج جيلا فريدا مميزا لا يتكرر بتحمله صلى الله عليه وسلم , فكيف يكون حاله مع الصبيان , جزاه الله عنا خير ما جازى به نبيا عن أمته , اللهم آته الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية من الجنة واجعلنا لهديه متبعين ولسنته من العالمين العاملين .

قالت : 4. التفاؤل : عندما تكون لديك نظرة إيجابية نحو المستقبل , ستقدر نعمة الحياة بكل تحدياتها , وستؤمن بقدرة طفلك على التغير وتدرك أن مسألة التغيير تحتاج إلى وقت (ص135) .
قال صاحب كتاب لا تحزن : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  مسروراً بعطاءِ اللهِ ، جذِلاُ بالهِباتِ الرَّبانيَّةِ ، لا يعتريه اليأسُ ، ولا يعرفُ الإحباط ، ولا يخلدُ إلى التَّخْذِيلِ ، ولا يعترفُ بالقنوطِ ، ويُعجبُه الفألُ الحسنُ لأنهُ صاحبُ رسالةٍ ، وحاملُ مبدأ ، وقدوةُ أُمَّةٍ ، وأُسوةُ أجيالٍ ، ومعلِّمُ شعوبٍ ، وربُّ أسرةٍ ، ورجُلُ مجتمعٍ ([18]).
ومن التفاؤل أن يسمي الابن اسما حسناً , بل هو من حقوقه , وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم كل من حرب     و مرة وجمرة من حلب الناقة وأذن ليعيش في حلبها  من باب الفأل , وليست من الطيرة , وقد كان صلى الله عليه وسلم يتفاءل حتى بأسماء الأماكن ويرى أثر الاسم الحسن على وجهه صلى الله عليه وسلم .
ومما يقوله علماء الاجتماع أن النظرة الإيجابية إلى الأشياء والتفاؤل يغرس في القلب تحقيق الهدف فيتحقق في المستقبل مالم يكن في الحاضر بإذن الله,ومثاله لو أن شخصا دخل الامتحان وهو متفائل بالنجاح فإنه سينجح بإذن الله , وإن دخل الامتحان وهو متخاذل وغير متفائل بالنجاح فإنه لن ينجح بسبب النظرة البائسة غير الطموحة .
والتجارب في هذا كثير , يقول لي أحد الآباء أنه كان يحفز أبناءه إلى وظائف مرموقة في صغرهم للمستقبل إلا شخصا واحدا منهم ,وعند الكبر وجد أبناءه على ما كان يحفزهم عليه في الصغر فمنهم الطيار الذي كان يشتري له ملابس الطيران ومجسمات الطائرة في صغره,ومنهم الطبيب الذي كان يشتري له أدوات الطب والتمريض,ومنهم الشرطي الذي كان يشتري له الملابس العسكرية وأدوات القبض على اللصوص في صغره,وأما الابن الذي لم يدخل في مضمار التحفيز والنظرة المتفائلة فلم يكمل الدراسة الثانوية, بل ليس له الرغبة في أن يكون له شيء من ذلك .
والسنة تتحدث عن مثل هذا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية غدا رجل يفتح الله على يديه فكان علي رضي الله عنه وفتح الله على يديه خيبر, وهي من معجزات نبوته صلى الله عليه و تفاؤله بفتح خيبر  .
والقضية تحتاج إلى معرفة قدراتهم وميولهم , مع ملاحظة تطلعاتهم , وَقد كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم جده عبد الْمطلب : ( سَيكون لبني هَذَا شَأْن عَظِيم ) لما كان يرى منه .
ومن هذا نحن بحاجة ماسة أن نساعد أبنائنا بتحقيق نجاحاتهم في المستقبل من خلال نظرتنا المتفائلة لهم مع تمام التوكل على الله وبذل السبب .

قالت : 5.المدح : إنه لأمر محزن ولكنه صحيح أن يقوم الكثير منا بانتقاد أبنائه أكثر مما يمدحهم , إلا أن الأطفال يكتسبون المزيد من المعرفة عن كيفية التصرف اللائق من خلال المدح أكثر من مواجهة النقد (ص136) .
المدح هو الثناء وضده الذم , والتربية الإسلامية وسط فيه فلا إفراط ولا تفريط , نجد النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن يذم المدح وهو المبالغ فيه أو إذا كان في العطية , وفي مواطن يستخدمه من باب التشجيع في الأمر والزيادة منه .
وقد مدح الله تبارك وتعالى في غير آية من كتابه الكريم الكثير من الأنبياء فقال عن أيوب (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(ص - 44) وقال عن إبراهيم (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) و امتدح المتقين والمؤمنين في غير موطن , بل نزلت الآيات في الثناء على بعض الصحابة مثل أصحاب الشجرة , وقال في المهاجرين والأنصار (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة - 100) وغيرها كثير , فقد مدح الملائكة , وأثنى على بعضهم بخصوصية مثل جبريل عليه السلام , وأثنى على الحور العين في حسنهن , والولدان المخلدون ,
 وأثنى على الجنة ورغب فيها وأثنى على أهلها بصفاء نفوسهم وطيب عيشهم وذلك ترغيبا في العمل وتحفيزا له .
والعكس بالعكس فنجد أنه ذم الشرك وأهله , والنفاق وأهله , وذم بعض خلقه مثل إبليس وفرعون وهامان والنمرود وقارون وقابيل , وذم بعض الأخلاق مثل البخل والكذب والكبر , وذم بعض الحيوانات مثل الحمار والكلب والخنزير والغراب , والله يخلق ويختار .
وأتصور أننا لا بد أن نفقه قضية عظيمة ألا وهي : (المدح يكون للأشخاص فنثني على أبنائنا في  أعمالهم وقدراتهم وإنجازاته و اهتماماتهم و غيرها , أما بالنسبة للذم فنبتعد عن الأشخاص لا نذم الشخص لذاته أي ننتقده بنفسه , بل علينا في حالة الذم أن نذم الأفعال وننتقدها ولا نتجاوز بذلك إلى أن نجرح في الأشخاص وهذا يغفل عنه كثير من المربين ) .
وهذا منهج نبوي فنجد النبي صلى الله عليه وسلم يثني على الصحابة في ذواتهم وأشخاصهم ومنها ما روي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ »[19] ,فأثنى عليه في حرصه على طلب الحديث , وقال لأبي رضي الله عنه « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ. قَالَ فَضَرَبَ فِى صَدْرِى وَقَالَ « وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ »[20] فأثنى على علمه ,وقال لأبي موسى الأشعري (« يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ») فأثنى على حسن تلاوته وجمال صوته .
و عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ارحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وقال عفان مرة في أمر الله عمر واصدقهم حياء عثمان وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل الا وان لكل أمة أمينا وان أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين .[21] , فما هو حال الصحابة وهم يسمعون هذا الثناء والذي هو بمثابة الشهادة له ومن خير البرية .
وفي الجانب الآخر نجد النبي صلى الله عليه وسلم يذم الأفعال ولا يجرح بالأشخاص , فنجده في قصة بريرة وسفيان بن مرة عندما اشترط على عائشة رضي الله عنها الولاء قال : « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِى كِتَابِ اللَّهِ)[22] , وفي أخطاء الصلاة قال : « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِى صَلاَتِهِمْ » [23] , وصنف البخاري رحمه الله (باب من لم يواجه الناس بالعتاب) ذكر فيه حديث عائشة قَالَتْ عَائِشَةُ صَنَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ ، فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً » [24] , بل كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها , وإن رأى شيئا يكرهه عرف في وجهه صلى الله عليه وسلم  .
هكذا لا بد أن نكون مع أبنائنا , مع طلابنا , مع أزواجنا , في أنفسنا مع الناس جميعا , فما هي إلا كلمات قد تكون من مفاتيح الخير أو تكون من مغاليق الخير عياذا بالله , فعود لسانك على الثناء وابتعد عن التحطيم .

قالت : 6. الثقة : عندما تثق في مقدرة طفلك على السيطرة على مشاعره , فهناك احتمال كبير أن يصبح طفلا مستقرا ولا يشعر بالخوف,وكذلك أكثر قدرة على السيطرة على المشكلات التي يواجهها في حياته اليومية(ص136) .
7. القوة والثقة بالنفس : عندما تعلم طفلك أنه قوي ويتمتع بصحة جيدة سوف ينمو وهو يثق في قوته الداخلية والخارجية (ص136).
وقد جمعتهما معا للارتباط الوثيق بينها , فنجد أن ثقتك الداخلية بقدرات أبنائك وإمكانياتهم في تحقيق الأهداف ,
 وغرسك لهذه الثقة في نفوسهم , مع إعطائهم الفرصة لإثبات ذواتهم , سوف يكون له أثره الكبير في شخصياتهم المستقبلية , ومواجهتهم للمواقف الصعبة إذا كانوا بمفردهم وأنت بعيدا عنهم  .
وشواهده من السنة كثير فعن محمد بن علي قال: " اصطرع الحسن والحسين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: هي حسن. فقالت له فاطمة: يا رسول الله تعين الحسن كأنه أحب إليك من الحسين! قال: إن جبريل يعين الحسين وأنا أحب أن أعين الحسن "[25]. , وكان يخاطب الحسن في مواطن كأنه رجل بالغ مع صغر سنه وهو نوع من زرع الثقة بالنفس , فعن أَبَي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ - رضي الله عنهما - تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَهَا فِى فِيهِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « كِخٍ كِخٍ - لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ - أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ »ففيه مخاطبة لعقل هذا الطفل وفي رواية(أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة ) و عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: " رأيت الحسن والحسين- رضي الله عنهما- على عاتقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: نعم الفرس. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ونعم الفارسان هما ". فهذا نوع من زرع الثقة في نفس الغلام وانظر إلى أثر هذا كله في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فعن عروة :(أن أبا بكر خطب يوما فجاء الحسن فصعد إليه المنبر فقال انزل عن منبر أبى فقال علي  إن هذا لشىء من غير ملأ منا) [26]. أي أننا لم نعلمه هذا , هذه القصة وقعت للحسن رضي الله عنه مع أبي بكر في خلافته , وتكرر المشهد في عهد عمر مع الحسين , فعن الحسين بن علي قال: صعدت إلى عمر بن الخطاب فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك. قال: إن أبي لم يكن له منبر. قال: ثم أقعدني بين يديه فجعلت أقلب حصى في يدي فلما نزل ذهب بى إلى منزله فقال: من أمرك بهذا ؟ فقلت: ما أمرني بهذا أحد [27]. فما كان لهما رضي الله عنهما وعن أبويهما أن يتكلما بهذا الأسلوب لولا الثقة التي في نفسيهما , والتي كان من أسبابها ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم معهما هو وجبريل , ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعله مع زيد بن ثابت وهو غلام صغير فعَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ أُتِىَ بِى إِلَيْهِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِى :« تَعَلَّمْ كِتَابَ الْيَهُودِ فَإِنِّى لاَ آمَنُهُمْ عَلَى كِتَابِنَا ». قَالَ : فَمَا مَرَّ بِى خَمْسَةَ عَشَرَ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَقْرَأُ كُتُبَهُمْ إِلَيْهِ.[28] , فهذه ثقة من النبي صلى الله عليه وسلم بقدرات زيد وإثبات لذاته وعندما أعطاه الفرصة قام بإنجاز عظيم فمن يستطيع أن يتعلم لغة اليهود اليوم في خمسة عشر ليلة , ونجد أبا بكر رضي الله عنه يستمر بهذه الثقة مع زيد حتى قام بأمر يعجز عنه نفر من الرجال في قصة جمع القرآن , فعندما بعث إلى زيد أتاه زيد وعنده عمر , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْىَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ . فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِى نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا أَمَرَنِى بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِى لِلَّذِى شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِىِّ ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) إِلَى آخِرِهِمَا [29]. فانظر إلى أثر هذه الثقة من النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بزيد بن ثابت ونتاجها في جمع القرآن وحفظه من لغة يهود , بل إني أقول لولا الثقة التي كانت بزيد رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم في أول القصة لما جمع القرآن على يده في آخرها فجزاه الله عنه عنا وعن أمة محمد خير الجزاء .
نحن بحاجة إلى أن نثق بأبنائنا , ونغرس الثقة في نفوسهم بالعبارات الطيبة مع إعطائهم الفرصة في إثبات ذواتهم و قدراتهم , ولكي تكتمل شخصياتهم , وتكون لديهم القدرة على خوض مراحلهم القادمة بكل ثقة و نجاح ونحن بعيدا عنهم ....
قالت : 8. التوجيه : يتعلم الأطفال ضبط النفس من خلال سيرهم وفق الخطوط والحدود التي نضعها لهم , وسوف يحافظ الانضباط الداخلي على سلامة طفلك حينما تكون غير موجود لتوجيهه .
 مما لا شك فيه أن للوالدين أثرهما البليغ على توجيه الابن فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ »[30] , وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم حياته الدعوية في رسم هذا الخط
وهذا المنهج الذي يجب أن نسير عليه , وتركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , ولم يترك خيرا إلا حثنا عليه ولم يترك شر إلا حذرنا منه , حتى أنه بذل أخر أنفاسه وآخر رمق في حياته صلى الله عليه وسلم في توجيه أمته لما فيه خير لها فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّةِ نَبِىِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ مَوْتِهِ « الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ». حَتَّى جَعَلَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُلَجْلِجُهَا فِى صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ[31]. و الذي ينبغي علينا ذكره في مبحثنا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للغلام والجوانب التربوية فيه فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أساليب عديدة في توجيه الأطفال ومنها  .
أ / التوجيه بالرقابة الذاتية :
ينبغي للمربي إحياء الرقابة الذاتية عند الطفل وغرسها في نفسه من خلال بيان إطلاع الله عليه , وكتابة الملائكة الكرام لأعماله , وأن الأرض والجوارح ستتحدث بما عمل الإنسان في الدنيا عند العرض الأكبر على الله , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يثير هذا الأمر في نفوس الصغار فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : كنت خلف النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوماً ، فَقَالَ : يَا غُلامُ ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ،احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ،إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله ،وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ ... الحديث [32]. "ووعده على هذه المراقبة أن يحفظه في الدنيا من الآفات والمكروهات ,  وفي الآخرة من أنواع العقاب و الدركات "[33] .
ب / التوجيه بالتعويد :
             قال أبو العلاء :
   ويَنشأُ ناشىءُ الفتيانِ، مِنّا          على ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه
   وما دانَ الفتى بحِجًا، ولكنْ             يُعَلّمُهُ التّدَيّنَ أقرَبُوه
     وطِفلُ الفارسيّ لهُ وُلاةٌ،              بأفعالِ التَمَجّسِ دَرّبوه[34]
ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بالروحاء استقبله ركب ، فسلم عليهم ، فقال : « من القوم ؟ » قالوا : المسلمون ، فمن أنتم ؟ قال : « رسول الله صلى الله عليه وسلم » ، ففزعت امرأة منهم ، فرفعت صبيا لها من محفة (1) وأخذت بعضلته ، فقالت : يا رسول الله ، هل لهذا حج ؟ ، قال : « نعم ، ولك أجر » قال إبراهيم : فحدثت بهذا الحديث ابن المنكدر فحج بأهله أجمعين , ففيه بيان منهج التوجيه والتربية بالتعويد , وقد كان الصحابة والسلف رحمهم الله يعودون أبنائهم الصيام في الصغر والآثار في هذا كثيرة .
جـ / التوجيه بالحوار والإقناع :
عن أبي أمامة قال : إن فتى شابا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ائذن لي بالزنى . فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه ! فقال : ادنه . فدنا منه قريبا . قال : فجلس . قال أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم . قال أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله ! جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم . قال أتحبه لأختك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم . قال أتحبه لعمتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم . قال أتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم . قال : فوضع يده عليه وقال : اللهم ! اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء[35] . فلم يعنف ولم ينهر بل إحتوى هذا الشاب وحاول معالجة هذه المشكلة لكي ينجح مع نفسه إذا خلى بعيدا عن الناس , و تعجب معي في محاولة النبي صلى الله عليه وسلم لإمداد وقت الحوار والنقاش فكان بالإمكان أن يقول أترضاه لمحارمك ويكتفي بهذا أو يبين له حرمة الزنى , ولكنه صلى الله عليه وسلم عرض له بشاعة الزنى وشينه بعدة صور فتارة مع الأم وتارة مع البنت وتارة مع الأخت وتارة مع العمة وتارة مع الخالة ثم يربط كل صورة من هذه الصور بأحوال الناس ليحسسه بمشاعرهم التي يتصورها مما خلق جوا من الحوار الفعال والبناء , بل لم يكتفي صلى الله عليه وسلم بذلك بل وضع يده على صدر الغلام بكل رحمة وشفقة ودعى له ليزداد الشاب أمانا وثقة بنفسه وبمن يحاوره , فما كانت الثمرة إلا أن الفتى لم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء وكذلك نحن في حاجة ماسة في استخدام مفهوم
الحوار وأساليبه مع أبنائنا وطلابنا , بدلا من أن نكتفي بإملاء القرارات عليهم .
إن القناعة الذاتية عند الابن هي التي ستبقى معه في الوقت الذي ستكون فيه أنت بعيدا عنه فاهتم بها رعاك الله .
د / التوجيه المباشر :
وهذا يكون عند وقوع الخطأ فقد كان صلى الله عليه وسلم يستخدم هذا الأسلوب إما باللفظ أو بالفعل أو بهما معا ومن الأمثلة على التوجيه باللفظ ما روي عن عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ » . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ [36]. فهذا فيه توجيه مباشر بالقول وانظر إلى الأثر قال : فما زالت تلك طعمتي بعد .
وأما في جانب الفعل ما روي عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَجَعَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِى الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا ، لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ « نَعَمْ » . وَذَلِكَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ[37] . فلم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أدار وجه الفضل بن عباس وصرفه عن المرأة وهذا نوع من التوجيه بالفعل .
ويراعى حال الفعل والمقام ووجود الناس فإن التوجيه أمام الناس ليس كالتوجيه على انفراد فهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى الخطأ من الفضل ولك أن تتخيل حشود الصحابة في الحج وهم ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا عنه مناسكهم راعى مشاعر الفضل ولم يشهر به فما كان إلا أن صرف وجهه وقد يكون هذا في غفلة الناس , وقد تتبعت روايات هذا الحديث فوجدت روايات شتى بألفاظ متنوعة ومالها سوى طريقان الأولى عن ابن عباس وبعضهم قال عن أخيه أي أن ابن عباس روى عن أخيه الفضل والثانية رواية عن علي رضي الله عنه , فانظر رعاك الله حدث في الحج فما يرويه سوى إثنين من الصحابة وأحدهم قد يكون رواه عن أخيه , فالذي يظهر لي والعلم عند الله أن النبي صلى الله عليه قصد الصمت هنا مراعاة لكثرة الناس حتى أنهم لم ينتبهوا إلى ما حصل مع الفضل .
وأما في التوجيه بالقول والفعل معا ما روي عن ابن عباس قال : كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه وجعل الفتى يلاحظ إليهن . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له [38]» وفيه بيان التوجيه بالقول والفعل معا .
إن التوجيه المباشر له أثره في تصحيح سلوك الابن وغرس القيم فيه , ورسم الخط الذي يحتاج سيسير الطفل على أثره , ولكن على المربي مراعاة الحال والمقام واتخاذ الأسلوب الأمثل في ذلك .
هـ / التوجيه في الإرداف :
ومن تتبع أحاديث الإرداف مع النبي صلى الله عليه وسلم فقل أن يجد حديثا منها  لأحد من الصحابة إلا وتجد فيه توجيها أو تعليما أو تربية , فيقول لمعاذ أتدري ما حق الله على العباد , ويقول لابن عباس احفظ الله يحفظك , ومر معنا قصة الفضل في حجة الوداع وقد كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم , ودعا طويلا في حجة الوداع وأسامة رديفه على القصواء , وقال لابن الرشيد وهو رديفه ينشده أبياتا هيه حتى بلغ 100 بيت فقال (إن كاد ليسلم) , وعلم علي دعاء ركوب الدابة وهو رديفه وضحك صلى الله عليه وسلم , وقال يوما لمن ردفه على الحمار لا تقل تعس الشيطان ولكن قل بسم الله , والآثار في هذا كثيرة .
ولذلك ينبغي على المربي والوالد أن لا يترك فرصة إذا ركب معه ابنه أو طالبه في سيارته بأن يقدم له توجيها أو نصيحة أو فائدة , إما بشكل مباشر لفظا أو غير مباشر بالفعل , فإن النفوس تألف النصح إذا كانت مرافقة في طريق , وكذلك إذا ركب معه في طائرة أو جالس رجل غريبا فلا يدعها تفوت , والذي أظنه أنه لما كان التنقل بالسيارة أو الدابة له أثره على النفس من المتعة والترويح كان أدعى لأن يتقبل النصح واحضر للقلب في حفظ ما يقال له والله أعلم .
والحقيقة إن أساليب التوجيه النبوي الخاصة والعامة و القولية والفعلية تحتاج إلى بحث أوسع من هذا و تفصيل أبلغ , نسأل الله أن يفقهنا في الدين وأن يعلمنا الحكمة والتأويل .
قالت: 9. الطقوس العائلية : ابتكر طقوسا خاصة بعائلتك , فكلما أجزلت العطاء لعائلتك كوحدة متكاملة , تعلم الطفل معنى العائلة (ص136) .
لعل الذي دفع الكاتبة لأن تعنون بهذا العنوان وتؤكد على العملية التكاملية داخل الأسرة  هو الواقع المرير الذي تعيشه الأسرة في الغرب من تفكك وعدم مبالاة بالكيان العائلي وهذا يخالف ما عليه واقعنا ولله الحمد من خلال التربية الإسلامية , فقد عنيت التربية الإسلامية غاية الاعتناء بالأسرة فقعدت القواعد ووضعت الوسائل المعينة على البناء الأسري وحذرت من الأسباب التي قد تكون سببا في هدم الأسرة , وذلك لكي ينشأ الطفل في بيئة صحية نشأت متكاملة في جميع مجالات النمو وأبعادها , ولعلي أشير إلى اهتمام التربية الإسلامية بالأسرة قبل وبعد بنائها من خلال بعض التقعيدات والوسائل بشكل سريع دون تفصيل .
 1- سنية ومشروعية الزواج : نجد أن التربية الإسلامية قد سعت سعي شديدا في البناء الأسري من خلال الزواج والنبي صلى الله عليه وسلم يقول يا معشر الشباب من أستطاع منكم الباءة فليتزوج , بل ووضعت الشروط والواجبات في الحكم على صحة هذا النكاح  ومشروعيته من أجل الاستمرارية وعدم الانقطاع وترسيخا لأهمية الارتباط الأسري والبناء العائلي وعظم شأنه في الإسلام  .
2- حقوق الأبناء والآباء والأمهات : لقد رتبت التربية الإسلامية الحقوق ووضعت نظاما واضحا داخل الأسرة فالزوجة لها حقوق , والزوج له حقوق والأبناء لهم حقوق والوالدين لهم حقوق , وهذه الحقوق بمثابة الصيانة والتعزيز للتعامل الأسري بنظام دقيق تجد أنه يسير بكل توائم وتجانس وتكامل , ولم تكتفي بهذا بل وضعت العقوبات العظيمة المترتبة على من أخل بهذه الحقوق وفرط فيها من جانب الترهيب , ووضعت الأجر العظيم والثواب الجسيم لمن قام عليها وأداها على وجهها من جانب الترغيب , والكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع كثيرة .
 3- تعزيز مفهوم الأسرة من خلال العبادات الموسمية : يتكرر العيد سنويا في كل عام , ومما يعزز مفهوم الارتباط الأسري والالتحام العائلي ما أوجبه الله في هذه الأيام المباركة من زكاة للفطر وأضحية ليوم النحر , فعندما تخرج الزكاة عن الأسرة أو يضحى عن أهل البيت الواحد , ستزداد أهمية هذا البناء في ذهن الطفل وقلبه وعقله , خاصة وأنه تعلق بيوم فرح وسرور , و يوم يجد شيء من شعائر الدين وركنا من أركانه وقد ارتبط بهذا الكيان سينظر إليه بعين الإكبار والاحترام والتقدير .
إننا بحاجة ماسة لأن يكون نظام الأسرة نظاما على الطريقة الإسلامية الصحيحة لكي يشعر الطفل بالانتماء ويتعلم كل خير وبر ولينشأ نشأة صالحة متكاملة ولنخرج إلى المجتمع جيلا قويا متعلما متوازنا قادرا على تولي مناصب القيادة  في المستقبل .

قالت : 10. الحب غير المشروط : يجب أن يعلم الطفل أن حب والديه لا يتوقف على حسن تصرفه , أو حصوله على درجات عالية , أو امتلاكه لمواهب خاصة (ص136) .
وهذا يمكن أن يبينه الوالدين في المواقف العفوية في الحياة اليومية .
ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان محبته غير المشروطة للصغار وتبيينه لهم ما روي عن     أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل ذات يوم غلمانا وإماء وعبيدا من الأنصار فقال والله إني لأحبكم . وفي بعض الروايات أنه كان غاضبا أو عاصبا رأسه وكررها ثلاث . فقد يكون عصب الرأس من الوجع فلم يرده وجعه أو غضبه صلى الله عليه وسلم من أن يستقبلهم بوجه طلق ويخبرهم بمحبته لهم .
وهذا في جانب الصبية على العموم وإلا فإن له صلى الله عليه وسلم أحاديث خاصة لبعض الغلمان بين فيها محبته لهم وتارة يقبل وتارة يضم وتارة يدعوا الله لهم بالمحبة أو بالرحمة ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما سيأتي وهي على سبيل الإشارة لا الحصر .
قال يعلى بن مرة:" جاء الحسن والحسين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستبقان فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل يده في رقبته ثم ضمه إلى بطنه ثم جاء الآخر فجعل الأخرى في ركبته ثم ضمه إلى بطنه ثم قبل هذا ثم قبل هذا ثم قال: اللهم إني أحبهما فأحبهما .. الحديث "[39].
و عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُنِي وَالْحَسَنَ ، فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا .
وعن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه قال : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقال : « إني أحبك يا معاذ » . فقلت : وأنا يا رسول الله ، والله أحبك .
عن أبي إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ـ لعقيل بن أبي طالب : يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا لقرابتك مني و حبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك .
عن يعلى العامري ، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له قال : فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام القوم وحسين مع الغلمان يلعب ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه فطفق الصبي يفر ها هنا مرة ، وها هنا مرة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه ، قال : فوضع إحدى يديه تحت قفاه ، والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله ، لقد فعلها صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة وهو ذاهب إلى وليمة طعام ليربي أصحابه والأمة جميعا ويشعرهم أنهم ولابد أن يكونوا هكذا مع أبنائهم .
ومن هذه النصوص يتبين لنا مدى ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من هدي فلم تشغله أمور الدعوة والجهاد من أن يولي الغلمان بشيء من الاهتمام , يحسسهم بقربه منهم وقربهم منه بأساليب منوعة داخل البيت وخارجه , في حضرة الناس وغيابهم ,والتي هي في حقيقتها رحمة كما قال صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس (وما أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك ) وقال له : « مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ » .
فليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة  .

الخاتمة

          إن المنهج التربوي في القرآن والسنة بحر زاخر , قد جمع الجواهر , لا كننا بحاجة لمن يفتح الله عليه بفواتح الخير و يظهر لنا شيئا منها , فنتحلى بها ونتخلق بمثلها قولا وعملا , وقد تكون بعض الكتب الغربية فيها من الدرر , والواجب علينا عند قراءتها أن نعيد نظمها ونصقل صدأها , ولنخرجها إلى العالم أجمع ونقول لهم هكذا ديننا الحنيف , هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم , نسأل الله أن يفقهنا في الدين , وأن يعلمنا الحكمة والتأويل , آمين آمين آمين .
هذا ما تيسر إيراده , وأعانني الله على جمعه وترتيبه وكتابته , وما به من صواب فمن الله , وما به من خطأ وزلل ونقص فمن نفسي والشيطان , والله ورسوله صلى الله عليه وسلم منه بريئان , والله أعلم وأحكم .

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)

اللهم صلي على الرحمة المهداة ,والصفوة المجتباة ,وخير المربين ,وإمام المرسلين محمد النبي الأمين ,     اللهم وعلى آله الأطهار , وصحابته الأبرار , والتابعين وتابعيهم , ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



المراجع

1) القرآن الكريم .
2) صحيح البخاري,للإمام محمد بن إسماعيل البخاري, تحقيق محمد الناصر, دار طوق النجاة, ط1 , 1422هـ
3) صحيح مسلم, للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري, تحقيق محمد عبالباقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت.
4) سنن أبي داود , أبو داود .
5) سنن الترمذي , الترمذي .
6) المسند , الإمام أحمد بن حنبل .
7) صحيح ابن خزيمة , للإمام ابن خزيمة .
8) سنن البيهقي , للبيهقي .
9) المعجم الكبير , للطبراني .
10) مسند أبي يعلى , لأبي يعلى .
11) سنن ابن ماجه , لابن ماجه .
12)  مسند الحارث (زوائد الهيثمي) .
13) إتحاف الخيرة المهرة , للحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري .
14) جامع الأحاديث , للسيوطي .
15) السلسة الصحيحة , للإمام الألباني .
16) ضعيف الترغيب والترهيب , للإمام الألباني .
17) ديوان أبي العلاء المعري .
18) القرني , عائض بن عبدالله ( لا تحزن ) مكتبة العبيكان , الرياض .
19) الشريف , محمد بن شاكر (نحو تربية إسلامية راشدة) ط1 , مجلة البيان مطابع أضواء , 1427 هـ .
20) الدويش , محمد بن عبدالله (المدرس ومهارات التوجيه) ط4 , دار الوطن , الرياض , 1421هـ .
21) مفتاح دار السعادة , لابن قيم الجوزية (ط دار الكتب العلمية , بيروت ).
22) زاد المعاد من هدي خير العباد , لابن قيم الجوزية (ط27 , مؤسسة الرسالة , بيروت , 1415هـ) .
23) تحفة المودود في أحكام المولود , لابن قيم الجوزية(ت/ عبد القادر الأرناؤوط  مكتبة دار البيان - دمشق
ط1 ،  1391هـ .
24) توبين, كاثرين(حلول عملية لمشكلات الآباء في تربية الأبناء) ط1,  ترجمة وطباعة مكتبة جرير ,2006م .


انتهى














( [1] ) william sears)) , وليام سيرز , (طبيب الأطفال) , المؤلف المشارك في كتاب(The Baby Book) ,
(حلول تربوية للمشكلات التربوية والسلوكية اليومية) , مكتبة جرير , 2006م.
( [2] ) رواه مسلم والترمذي في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم, والترمذي واللفظ له بسند صححه الألباني .
( [3] ) د.كاثرين توبين (حلول عملية لمشكلات الآباء في تربية الابناء) ط1,ترجمة وطباعة مكتبة جرير , 2006م .
( [4] ) د.كاثرين توبين (المرجع ذاته) .
[5] ) د.كاثرين توبين (مرجع سابق) .
[6] ) رواه الترمذي بلفظه,وأبو داود بسند صححه الألباني,وله شواهد من حديث عند البخاري في الأدب المفرد وأحمد وشاهده(ويعرف حق كبيرنا).
[7] ) رواه البخاري في غير باب من الصحيح الجامع (باب في الشرب ,وإذا أذن له... ,هبة الواحد الجماعة,هل يستأذن الرجل من على يمينه)
[8] ) رواه أبو داود بلفظه في (باب ما جاء في القيام), والترمذي بزيادة في (باب فضل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم).
[9] ) ابن قيم الجوزية (مفتاح دار السعادة)
[10] ) رواه مسلم (باب من فضائل علي رضي الله عنه)
[11] ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري في غير باب من أبواب الجامع الصحيح .
[12] ) رواه الشيخان .
[13] ) رواه البخاري (باب مناقب زيد بن حارثة) .
[14] ) رواه البخاري ومسلم , والترمذي في سننه بلفظه .
[15] ) رواه مسلم ( باب فضل الاحسان إلى البنات) .
[16] ) ابن قيم الجوزية (تحفة المودود بأحكام المولود)
[17] ) رواه البخاري ومسلم بلفظ له .
[18] ) القرني , عائض بن عبدالله (لاتحزن) .
[19] ) رواه البخاري (باب الحرص على الحديث) .
[20] )رواه مسلم في صحيحه (باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي)
[21] ) رواه أحمد في مسنده , قال الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين
[22] ) رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها .
[23] ) رواه البخاري (باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة)
[24] ) رواه البخاري .
[25] ) مسند الحارث (زوائد الهيثمي) , وإتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد .
[26] ) جامع الأحاديث , (مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه) .
[27] ) إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد (فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه) .
[28] ) سنن البيهقي (باب تقديم قول زيد بن ثابت على غيره من الصحابة في علم الفرائض) .
[29] ) رواه البخاري ( باب جمع القرآن ) .
[30] ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري (باب ما قيل في أولاد المشركين ) .
[31] ) رواه أحمد في مسنده (حديث أم سلمه) بسند صححه الألباني .
[32] ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح , وغيره بزيادة .
[33] ) محمد بن شاكر الشريف (نحو تربية إسلامية راشدة من الطفولة حتى البلوغ).
[34] ) ديوان أبي العلاء المعري ( قافية الهاء ) .
[35] ) رواه أحمد وصححه الألباني وقال رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الكبير .
[36] ) رواه الشيخان واللفظ للبخاري (باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما)
[37] ) رواه البخاري ومسلم .
[38] ) رواه أبو يعلى وابن خزيمة وأحمد بلفظه والطبراني في الكبير , (قال صاحب تحقيق المنبع ورجال أحمد ثقات , وضعفه الألباني في الترغيب والترهيب ) .
[39] ) ورواه ابن ماجه والترمذي مختصرًا وحسنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق